من الأمور التي استوقفتني طويلا أثناء تأليف كتاب «أساطير الأولين والديانات الباطنية» مسألة المقدمة!!
فمحتوى الكتاب، أقل ما يوصف به، أنه "غريب". والغرابة يجب التمهيد لها عند القارئ الذي لم يسمع عن الموضوع من قبل، وإلا نفر من الكتاب كله من البداية.
وحيث أن الكتابة الجيدة تعتمد على التأثير النفسي وموضع المعلومة وسياقها، فليس من السهل إطلاقا ترتيب الفصول بحيث تكون "تدريجية" في نقلها للقارئ من الأبسط إلى الأعقد، ومن البديهيات إلى الاستنتاجات. لهذا لا مفر من الانتهاء من عملية التمهيد قبل الدخول في فصول الكتاب نفسها!
وبالتالي يكون الخيار المنطقي هو كتابة مقدمة طويلة، تشرح كل ما أريد شرحه فيها، مع تهيئة القارئ لما سيأتي بعدها.
لكني أكره المقدمات الطويلة، لأني قبل أن أكتب فأنا قارئ في الأصل.. وأعرف كم تكون مملة تلك المقدمات!
إذن فالحل أمامي هو مقدمة مختصرة، مكثفة، تعرف القارئ على موضوع الكتاب وطريقتي في الكتابة.
فأريد مثلا أن أوضح له أن أستخدم الكثير من المصطلحات الإنجليزية، وأنه سيرى بعض النصوص داخل الكتاب بلغات أخرى غريبة عليه، كالعبرية والهيروغليفية. وأني أكتب أصلا من منطلق إسلامي، حتى في تعاملي مع نصوص التوراة والإنجيل، إلخ.
كل هذه المعلومات يجب أن يفهمها القارئ من أسلوب كتابتي للمقدمة. وهي مهمة ليست سهلة، كما ترى.
لهذا كتبت هذا التمهيد الذي ستراه في السطور القادمة، ليقوم - كما تشير الكلمة بوضوح! - بتمهيد الطريق أمام القراء وإزالة ما به من عثرات وأحجار.
=====
تمهيد
في التوراة الحالية تأتي كلمة "المعرفة" ككناية عن المعاشرة الزوجية..
فيقال: «وعرف آدم حواء امرأته فحبلت وولدت قايين» [سِفر "التكوين"، الإصحاح 4 ، العدد 1]
והאדם ידע את-חוה אשתו ותהר ותלד את-קין (Genesis 4:1)
وفي الديانة المصرية القديمة اعتبر الكهنة أن لحظة معاشرة إيزيس لأوزيريس وتكوين ابنهما حورس في رحمها هي لحظة انتصار على الشر، وحدث هام في أساطيرهم.
أما الخيميائيون وفلاسفة الصوفية فيرمزون (في كتاباتهم وأشعارهم ولوحاتهم) للوصول لحالة "العرفان" برموز العشق والهيام والذوبان في المعبود.
ويعتقدون أن الوله والحب الإلهي هو مرادف للإلهام وللحصول على أسرار "المعرفة الإلهية"!!
ويؤمن فلاسفة الباطنية بأن "الإنسان الكامل" لن يتحقق إلا عندما تجتمع عناصر الذكورة والأنوثة معًا [الشمس والقمر، الموجب والسالب، المعطي والمتلقي] ، ويندمجان في نتاج جديد، خنثوي، يرمزون له بـ الأندروچين Androgyne أو الـ هيرمافروديت Hermaphrodite
(وهذا يشبه ما أشار إليه أفلاطون في حواره المسمى: السيمبوزيوم Symposium)
وفي أسفار العهد القديم Old Testament (أي التوراة الحالية المشتركة بين اليهودية والمسيحية) هناك سِفر كامل مخصص للرمزية الجنسية لـ "الزواج الصوفي المقدس" بين العبد والمعبود، الإنسان والإله.. وهو سفر (نشيد الأناشيد Song of Songs)
ويقول اليهود أن شعب بني إسرائيل هو "العروس المؤنثة" التي تجتمع بـ"العريس المذكر" الذي هو الإله نفسه!
ويقول النصارى أن شعب الكنيسة هو العروس Bride of Jesus Christ، وأن يسوع المسيح هو العريس.
وطرفا الزفاف في حالة "اقتران" بـ"عقد قران" و"عهد مقدس".
-----
قبل سنوات، عندما انتشرت رواية "شفرة داڤنشي The Da Vinci Code"، كان من أسباب الضجة المثارة حولها هو أنها نشرت فكرة أن المسيح تزوج بمريم المجدلية وكان لهما نسل.. وأن هذا "النسل المقدس" استمر سريا إلى أن كانت ثمرته هي بطلة الرواية.. الفتاة (صوفي Sophie)
والحقيقة هي أن الباطنية لا يقصدون من نشر هذه الأفكار - في الأساطير الدينية والروايات الأدبية والأفلام السينمائية - أن يظنها الناس حقائق تاريخية.. بل يهدفون منها بعث إشارات مبطنة، خفية، ملغزة، تشير لمعتقداتهم الفلسفية القديمة.
ويأملون أن استمرارهم في "الإيحاء" الخفي المستتر بهذه الأفكار لعامة الناس عبر وسائط عدة، سيؤدي إلى أن قلة قليلة ستنتبه، وستدع ظاهرها وتهتم بباطنها.
ففي حين تنشغل الأغلبية بالمعاني السطحية الظاهرية للقصص الأسطورية التي ينشرها الباطنية منذ آلاف السنين، فإن الأقلية تنشغل بالمعاني الفلسفية الباطنية لهذه القصص، وتقوم بتحليلها وسبر أغوارها وكشف غطائها وفهم رموزها.
هذا هو هدفهم وأسلوبهم، منذ كانوا كهنة معابد بابل ومصر واليونان، وحافظي أسرارها.
طريقتهم ليست التصريح، بل التلميح.
ليست الجهر، بل الإسرار.
يعيدون نشر نفس الأفكار، ونفس القصص، لكن بألف وجه وألف قناع.
كملحن موسيقي ينشر مليون Remix وتوزيعة لنفس الأغنية والمعزوفة!.. أحيانا يكون الإيقاع هائج وسريع، وأحيانا هادئ وبطئ.
تختلف القوالب والأسماء، ويبقى قلب الحكاية ولبها كما هو.
فترى، على سبيل المثال، «رع» إله الشمس ينتصر على الموت في العالم السفلي، ويعود للحياة كل يوم مع الشروق. ثم بعد قرون يتم "تحديث" القصة، وتجديد الأسطورة، ويقوم "مبرمجو العقول" بعمل Update للبرنامج بمسمى جديد يناسب العصر.. فنرى "يسوع Jesus" يموت ثم يعود "منتصرا على الموت"!
-----
والباطنية كما يختلقون لكل عصر أسطورته، يجعلون لكل ذوق "كهنة" مخصصين، مهمتهم تقديم الفكرة في قوالب مثيرة وجذابة.
فإن كنت طفلا من محبي القراءة وصلوا إليك عبر قصة "هاري بوتر ومقدسات الموت"، حيث يموت هاري ثم يعود للحياة منتصرا على الموت بعد أن أصبح "سيدا عليه" Master of Death كما تقول الرواية!
أما إن كنت شابا ممن يفضلون أفلام الخيال العلمي، فيصلون إليك عبر سلسلة أفلام "الماتريكس" The Matrix ، حيث يموت البطل (نيو Neo) لكن يعود للحياة منتصرا على غريمه "العميل سميث"!
أما إن كنت من محبي الفانتازيا، فقد قدموا لك نفس الفكرة الباطنية في روايات وأفلام "سيد الخواتم Lord of the Rings" عندما مات الساحر (جندلف الرمادي) ثم عاد للحياة، منيرا، أقوى مما كان، في شخصيته الجديدة (جندلف الأبيض Gandalf the White) !!
-----
قلما ينشر الباطنية عقائدهم في كتاب صريح.. بل يرون أن الحصول على "المعرفة السرية" يستلزم تتبع إشاراتهم المنثورة هنا وهناك، في رحلة بحث و"ترقي"، درجة بعد الأخرى، حتى الوصول للقمة.
(ولهذا تجد أن صورة "الهرم Pyramid" من رموزهم المفضلة!)
ولأوفر عليك سنوات من البحث سأخبرك الآن أن نهاية رحلة التنوير المزعومة، وآخر السير في الطريق الذي رسموه، هي نهاية مأساوية مهلكة لا تعود بنفع، ولا تجلب إلا الهلاك والسقوط في هاوية الكفر!!
إن سبب "سرية" الجماعات الباطنية هو خوفهم من رد فعل الجموع على أفكارهم ومعتقداتهم المخالفة للفطرة السليمة والعقل المؤمن. لهذا اختاروا السرية والتلميح.
اختاروا أسلوب الشيطان في نشر أفكاره واجتذاب فرائسه..
"خطوات الشيطان"، أي الإغواء التدريجي، خطوة بعد خطوة، دون أن يصدمك بالفعلة الشنعاء التي يستدرجك إليها في النهاية.. حتى تصل الفريسة إلى المصيدة دون أن ترتاب في الصياد!
-----
إن الحق طريقه واحد.. واضح.. صراط مستقيم. أما الشر فله ألف طريق وطريق.
«وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ» سورة الأنعام 153
(لاحظ أن كلمة "صراط" وكلمة "سبيل" بصيغة المفرد، في حين أن كلمة "السبل" بصيغة الجمع)
فالشيطان لا يعترض إن اختلف أتباعه وتنوعوا في عباداتهم ومسميات معبوداتهم.. بل هو يشجع على هذا "الابتكار" والتنوع!
فلا مانع عنده إطلاقا إن كنت تعبد أوزيريس أو يسوع أو بوذا.. فكلها طرق تؤدي إلى روما كما يقال!
وعلى العكس من هذا، نعلم أن كل أنبياء الله ورسله كانوا ينشرون نفس العقيدة،
«وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ» الأنبياء 25
من آدم إلى محمد مرورا بنوح وموسى وعيسى، وإبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب، وزكريا ويحيى، وداود وسليمان، وأيوب ويوسف وهارون، وإلياس واليسع ويونس ولوط، وهود وصالح وذو الكفل وشعيب، وإدريس.. وغيرهم «وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ» النساء 164
أما الشيطان إذا أحس أن أحد أتباعه الواقعين في شَرَكه قد أصابه الملل أو الشك في المجوسية مثلا، سارع بتزيين وتجميل عقيدة فاسدة أخرى في نظره، كالبوذية أو البهائية، لينتقل المخدوع إليها.
فالمحصلة في النهاية، من وجهة نظر إبليس، واحدة!
وكان علماء المسلمين يقولون على مثل الشخص أن كل ما فعله هو أنه "انتقل من ركن في جهنم إلى ركن آخر".
-----
عليّ أن أعترف لك في هذا التمهيد أن الجهل بتفاصيل الديانات الباطنية الموجودة في هذا الكتاب.. نعمة!!
فأحد الأسباب التي جعلتني مترددا في النشر هو الخوف من أن تعلق بعض الأمور بقلوب بعض القراء من ضعاف العقيدة..
لكن في عصر الفضائيات والإنترنت تنهمر علينا الرموز والأفكار الباطنية كالسيل، من ألف اتجاه لهذا يجب كشفها وتوضيح سمومها ما دمنا غير قادرين على حجبها ومنعها.
فإن لم تكن من المسلمين راسخي العقيدة فلا أنصحك بالاستمرار في قراءة هذا الكتاب!
وإن كنت ممن تتسرب الشكوك والشبهات لقلوبهم بسهولة، فربما لا يناسبك محتوى الفصول القادمة.
فإن من يحدق طويلا في الهاوية، فالهاوية - بدورها - ستنتبه له وتبدأ في التحديق فيه، كما قال نيتشه.
في التوراة الحالية تأتي كلمة "المعرفة" ككناية عن المعاشرة الزوجية..
فيقال: «وعرف آدم حواء امرأته فحبلت وولدت قايين» [سِفر "التكوين"، الإصحاح 4 ، العدد 1]
והאדם ידע את-חוה אשתו ותהר ותלד את-קין (Genesis 4:1)
وفي الديانة المصرية القديمة اعتبر الكهنة أن لحظة معاشرة إيزيس لأوزيريس وتكوين ابنهما حورس في رحمها هي لحظة انتصار على الشر، وحدث هام في أساطيرهم.
أما الخيميائيون وفلاسفة الصوفية فيرمزون (في كتاباتهم وأشعارهم ولوحاتهم) للوصول لحالة "العرفان" برموز العشق والهيام والذوبان في المعبود.
ويعتقدون أن الوله والحب الإلهي هو مرادف للإلهام وللحصول على أسرار "المعرفة الإلهية"!!
ويؤمن فلاسفة الباطنية بأن "الإنسان الكامل" لن يتحقق إلا عندما تجتمع عناصر الذكورة والأنوثة معًا [الشمس والقمر، الموجب والسالب، المعطي والمتلقي] ، ويندمجان في نتاج جديد، خنثوي، يرمزون له بـ الأندروچين Androgyne أو الـ هيرمافروديت Hermaphrodite
(وهذا يشبه ما أشار إليه أفلاطون في حواره المسمى: السيمبوزيوم Symposium)
وفي أسفار العهد القديم Old Testament (أي التوراة الحالية المشتركة بين اليهودية والمسيحية) هناك سِفر كامل مخصص للرمزية الجنسية لـ "الزواج الصوفي المقدس" بين العبد والمعبود، الإنسان والإله.. وهو سفر (نشيد الأناشيد Song of Songs)
ويقول اليهود أن شعب بني إسرائيل هو "العروس المؤنثة" التي تجتمع بـ"العريس المذكر" الذي هو الإله نفسه!
ويقول النصارى أن شعب الكنيسة هو العروس Bride of Jesus Christ، وأن يسوع المسيح هو العريس.
وطرفا الزفاف في حالة "اقتران" بـ"عقد قران" و"عهد مقدس".
-----
قبل سنوات، عندما انتشرت رواية "شفرة داڤنشي The Da Vinci Code"، كان من أسباب الضجة المثارة حولها هو أنها نشرت فكرة أن المسيح تزوج بمريم المجدلية وكان لهما نسل.. وأن هذا "النسل المقدس" استمر سريا إلى أن كانت ثمرته هي بطلة الرواية.. الفتاة (صوفي Sophie)
والحقيقة هي أن الباطنية لا يقصدون من نشر هذه الأفكار - في الأساطير الدينية والروايات الأدبية والأفلام السينمائية - أن يظنها الناس حقائق تاريخية.. بل يهدفون منها بعث إشارات مبطنة، خفية، ملغزة، تشير لمعتقداتهم الفلسفية القديمة.
ويأملون أن استمرارهم في "الإيحاء" الخفي المستتر بهذه الأفكار لعامة الناس عبر وسائط عدة، سيؤدي إلى أن قلة قليلة ستنتبه، وستدع ظاهرها وتهتم بباطنها.
ففي حين تنشغل الأغلبية بالمعاني السطحية الظاهرية للقصص الأسطورية التي ينشرها الباطنية منذ آلاف السنين، فإن الأقلية تنشغل بالمعاني الفلسفية الباطنية لهذه القصص، وتقوم بتحليلها وسبر أغوارها وكشف غطائها وفهم رموزها.
هذا هو هدفهم وأسلوبهم، منذ كانوا كهنة معابد بابل ومصر واليونان، وحافظي أسرارها.
طريقتهم ليست التصريح، بل التلميح.
ليست الجهر، بل الإسرار.
يعيدون نشر نفس الأفكار، ونفس القصص، لكن بألف وجه وألف قناع.
كملحن موسيقي ينشر مليون Remix وتوزيعة لنفس الأغنية والمعزوفة!.. أحيانا يكون الإيقاع هائج وسريع، وأحيانا هادئ وبطئ.
تختلف القوالب والأسماء، ويبقى قلب الحكاية ولبها كما هو.
فترى، على سبيل المثال، «رع» إله الشمس ينتصر على الموت في العالم السفلي، ويعود للحياة كل يوم مع الشروق. ثم بعد قرون يتم "تحديث" القصة، وتجديد الأسطورة، ويقوم "مبرمجو العقول" بعمل Update للبرنامج بمسمى جديد يناسب العصر.. فنرى "يسوع Jesus" يموت ثم يعود "منتصرا على الموت"!
-----
والباطنية كما يختلقون لكل عصر أسطورته، يجعلون لكل ذوق "كهنة" مخصصين، مهمتهم تقديم الفكرة في قوالب مثيرة وجذابة.
فإن كنت طفلا من محبي القراءة وصلوا إليك عبر قصة "هاري بوتر ومقدسات الموت"، حيث يموت هاري ثم يعود للحياة منتصرا على الموت بعد أن أصبح "سيدا عليه" Master of Death كما تقول الرواية!
أما إن كنت شابا ممن يفضلون أفلام الخيال العلمي، فيصلون إليك عبر سلسلة أفلام "الماتريكس" The Matrix ، حيث يموت البطل (نيو Neo) لكن يعود للحياة منتصرا على غريمه "العميل سميث"!
أما إن كنت من محبي الفانتازيا، فقد قدموا لك نفس الفكرة الباطنية في روايات وأفلام "سيد الخواتم Lord of the Rings" عندما مات الساحر (جندلف الرمادي) ثم عاد للحياة، منيرا، أقوى مما كان، في شخصيته الجديدة (جندلف الأبيض Gandalf the White) !!
-----
قلما ينشر الباطنية عقائدهم في كتاب صريح.. بل يرون أن الحصول على "المعرفة السرية" يستلزم تتبع إشاراتهم المنثورة هنا وهناك، في رحلة بحث و"ترقي"، درجة بعد الأخرى، حتى الوصول للقمة.
(ولهذا تجد أن صورة "الهرم Pyramid" من رموزهم المفضلة!)
ولأوفر عليك سنوات من البحث سأخبرك الآن أن نهاية رحلة التنوير المزعومة، وآخر السير في الطريق الذي رسموه، هي نهاية مأساوية مهلكة لا تعود بنفع، ولا تجلب إلا الهلاك والسقوط في هاوية الكفر!!
إن سبب "سرية" الجماعات الباطنية هو خوفهم من رد فعل الجموع على أفكارهم ومعتقداتهم المخالفة للفطرة السليمة والعقل المؤمن. لهذا اختاروا السرية والتلميح.
اختاروا أسلوب الشيطان في نشر أفكاره واجتذاب فرائسه..
"خطوات الشيطان"، أي الإغواء التدريجي، خطوة بعد خطوة، دون أن يصدمك بالفعلة الشنعاء التي يستدرجك إليها في النهاية.. حتى تصل الفريسة إلى المصيدة دون أن ترتاب في الصياد!
-----
إن الحق طريقه واحد.. واضح.. صراط مستقيم. أما الشر فله ألف طريق وطريق.
«وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ» سورة الأنعام 153
(لاحظ أن كلمة "صراط" وكلمة "سبيل" بصيغة المفرد، في حين أن كلمة "السبل" بصيغة الجمع)
فالشيطان لا يعترض إن اختلف أتباعه وتنوعوا في عباداتهم ومسميات معبوداتهم.. بل هو يشجع على هذا "الابتكار" والتنوع!
فلا مانع عنده إطلاقا إن كنت تعبد أوزيريس أو يسوع أو بوذا.. فكلها طرق تؤدي إلى روما كما يقال!
وعلى العكس من هذا، نعلم أن كل أنبياء الله ورسله كانوا ينشرون نفس العقيدة،
«وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ» الأنبياء 25
من آدم إلى محمد مرورا بنوح وموسى وعيسى، وإبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب، وزكريا ويحيى، وداود وسليمان، وأيوب ويوسف وهارون، وإلياس واليسع ويونس ولوط، وهود وصالح وذو الكفل وشعيب، وإدريس.. وغيرهم «وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ» النساء 164
أما الشيطان إذا أحس أن أحد أتباعه الواقعين في شَرَكه قد أصابه الملل أو الشك في المجوسية مثلا، سارع بتزيين وتجميل عقيدة فاسدة أخرى في نظره، كالبوذية أو البهائية، لينتقل المخدوع إليها.
فالمحصلة في النهاية، من وجهة نظر إبليس، واحدة!
وكان علماء المسلمين يقولون على مثل الشخص أن كل ما فعله هو أنه "انتقل من ركن في جهنم إلى ركن آخر".
-----
عليّ أن أعترف لك في هذا التمهيد أن الجهل بتفاصيل الديانات الباطنية الموجودة في هذا الكتاب.. نعمة!!
فأحد الأسباب التي جعلتني مترددا في النشر هو الخوف من أن تعلق بعض الأمور بقلوب بعض القراء من ضعاف العقيدة..
لكن في عصر الفضائيات والإنترنت تنهمر علينا الرموز والأفكار الباطنية كالسيل، من ألف اتجاه لهذا يجب كشفها وتوضيح سمومها ما دمنا غير قادرين على حجبها ومنعها.
فإن لم تكن من المسلمين راسخي العقيدة فلا أنصحك بالاستمرار في قراءة هذا الكتاب!
وإن كنت ممن تتسرب الشكوك والشبهات لقلوبهم بسهولة، فربما لا يناسبك محتوى الفصول القادمة.
فإن من يحدق طويلا في الهاوية، فالهاوية - بدورها - ستنتبه له وتبدأ في التحديق فيه، كما قال نيتشه.
من كتاب «أساطير الأولين والديانات الباطنية» - سلامة المصري