الإرادة الكونية والإرادة الشرعية
--~~--~~--~~--~~--~~--~~--~~--
وقد ذكرنا أن الإرادة نوعان: إرادة كونية، وإرادة دينية شرعية
فالإرادة الكونية يلزم وقوع مرادها، والإرادة الشرعية لا يلزم وقوع مرادها ؛ فوجود هذه المخلوقات مراد إرادة كونية،
نقول مثلا: إن الله أراد كونًا وقدرًا وجود هذا الاجتماع وخلق هؤلاء الأشخاص ونحو ذلك، كل هذا مراد كونًا وقدرًا .
كذلك أراد كونًا وقدرًا وجود المبتدعة والكفرة والفجرة والعصاة ونحوهم - ولو شاء ما وجدوا - فهذه إرادة كونية قدرية أزلية سابقة معلومة لله قبل وجودها، ولا بد من تحقيق مراد الله الذي أراده في الكون والقدر.
أما الإرادة الشرعية فإنه لا يلزم وجود مرادها، ولكن مرادها محبوب لله تعالى، فالله - تعالى - أراد من العباد كلهم أن يؤمنوا به دينًا وشرعًا، وأن يعملوا الصالحات وأن يصدقوا الرسل، وأراد منهم أن يتركوا المحرمات ولكن هل وجد هذا المراد كله أو وجد بعضه ؟ أراد منهم أن يؤمنوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر، فالذين آمنوا اجتمعت فيهم الإرادتان: إيمانهم الذي حصل مراد كونًا وقدرًا لأنه مكتوب، ومراد شرعًا ودينًا لأنه محبوب.
كذلك أعمالهم الصالحة التي عملوها كالصلاة والصدقة والجهاد والأذكار والتلاوة مرادة دينًا وشرعًا، كما أنها مرادة كونًا وقدرًا؛ لأن الله قدر أن هؤلاء يؤمنون ويعملون الصالحات في الأزل، ويكثرون من العبادات، ويتعلمون العلوم النافعة، ويعتقدون العقائد الصالحة؛ أراد ذلك كونًا وقدرًا فوجد، وأراده دينًا وشرعًا فوجد فيهم.
والإرادة الشرعية مذكورة في قوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ( البقرة:185 ) وفي قوله تعالى : يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ( النساء:26 ) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ( النساء:27 )
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ( النساء:28 ) .
كل هذه إرادة شرعية، يعني: يريد شرعًا ودينًا أن يخفف عنكم، يريد شرعًا وقدرًا أن يتوب عليكم، فمن تاب الله عليه ووفقه كان هذا مرادًا شرعًا ودينًا، وكونًا وقدرًا، ومن لم يتب لم يوافق الإرادة الشرعية حيث إنه أريد منه التوبة فلم يتب، فتجتمع الإرادتان في إيمان المؤمنين؛ لأنهم حققوا الإرادة الشرعية، ووقعت منهم الإرادة الكونية فاجتمعت فيهم الإرادتان الكونية والشرعية ، وتنفرد الإرادة الكونية في كفر الكافرين؛ لأن الله أراد منهم شرعًا ودينًا أن يؤمنوا فلم يؤمنوا، وأراد منهم كونًا وقدرًا أن يكفروا فكفروا.
وهذا معتقد أهل السنة أن الله - تعالى - أراد جميع الكائنات ،
فلا تخرج عن إرادته ولا عن تكوينه، وأن جميع الكائنات حاصلة بقضائه وقدره،
وأنه عالم بها. (ا.هـــ)
--~~--~~--~~--~~--~~--~~--~~--~~--~~--~~--~~
منقول
موقع الشيخ ابن جبرين
رحمه الله
لا يوجد تعليقات
أضف تعليق