كن مختلفا

0
لم يعد رأي الغالبية أو ما تعارف عليه الناس, هو المقياس السليم في هذا الزمان. فلا تخف من أن تختلف !

# لا أحب أن يُفهم هذا الكلام على علاته, فرأي الناس عنك مهم, وكل إنسان يريد أن تكون له سمعة طيبة وسط مجتمعه. الخطأ هو التقدير الزائد لأهمية الصورة التي يرسمها الآخرون عنك في نفوسهم بحيث يصير إرضاؤهم هدفا في حد ذاته, ومن المعروف أن ذلك الأسلوب يؤدي في النهاية للضياع والتشتت. فلن يستطيع فرد واحد أن يُرضي كل الناس على مختلف أهوائهم. الرسول نفسه صلى الله عليه وسلم اختلف عليه الناس, فمنهم من آمن ومنهم من كفر, مع أنه كان يحسب حسابا لما سيقوله الآخرون أو يظنونه تجاه فعل معين,خوفا على سمعة الإسلام أو خوفا من دخول بعض الظنون والشبهات على قلوب ضعيفي الإيمان. وندلل على صحة هذا الكلام من السيرة النبوية والحديث الشريف بمثالين: كان النبي يودِّع إحدى زوجاته ليلا خارج مسجده الذي يعتكف فيه فمر بهما رجل من المسلمين فناداه الرسول ليوضح له أن من معه هي زوجته صفية فقال الرجل : سبحان الله ! لينفي متعجبا أن ذرة واحدة من الشك أو الظن قد داخلت قلبه بخصوص الموقف, لكن الرسول يقول في حكمة "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم", فيوضح لنا أهمية نفي الشبهة عن نفوسنا وأعمالنا قدر ما نستطيع ولا نهمل ذلك بحجة أنه مادامت النية صادقة فكلام الناس وظنهم لن ينفع أو يضر.

ومثال آخر يبين أهمية أن نأخذ في الاعتبار ما قد يقوله العدو الخارجي المتربص كرد فعل على أفعالنا: فقد وصل الخبر للنبي بأن رأس المنافقين عبد الله بن أُبي بن سلول قال قولة عظيمة في حق الرسول صلى الله عليه وسلم واصفا إياه بالذلة وأن العزيز في المدينة هو ابن سلول, وهنا قام عمر بن الخطاب ليستأذن الرسول في قتل هذا المنافق فمنعه النبي قائلا: دعه, لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه, وفي رواية أخرى: لا يتحدث الناس أن محمدا كان يقتل أصحابه. أي أن الرسول كان يخشى أن ينتهز الكفار الفرصة وينشروا في أجهزة دعايتهم أن المسلمين صار يقتل بعضهم بعضا وأن الخلافات والاضطرابات اشتعلت بينهم. والرواية الأخرى تعبّر بذكاء عن اهتمام الرسول بصورة المسلمين التاريخية أمام الأجيال المستقبلية! . هل بعد كل هذا يقول البعض أن الإسلام لا يهتم بما يقوله الآخر عنا ولا يحسب له حسابا ؟! . كم آية جاءت في القرآن تنفي صفات السحر والكذب والجنون والشعر عن الرسول الكريم ردا على الدعايات المغرضة الكاذبة التي بثها اليهود وكفار مكة عن الدين في بداياته؟!

# بما أن رأي الأغلبية لم يعد مقياسا سليما للحكم على صحة الأمور أو خطئها, إذن الاستنتاج المنطقي هو أن كل تلك الأنظمة المسماة ديمقراطية في دول العالم قائمة على أساس فارغ. فهذه الأنظمة – حتى في أنقى صورها البعيدة عن الفساد – تأخذ قراراتها بالأكثرية العددية, فشيخ حكيم مثلا له صوت انتخابي واحد فقط على قدم المساواة مع فتى طائش أو فاسق .. فأين العدل والحكمة هنا ؟! . هذا غير أن التطبيق العملي أثبت سهولة التأثير في الجموع عندما تريد الحكومات توجيه قلوب الجماهير وجهة معينة, فتغطي الهوجة الإعلامية على أصوات العقل القليلة المعترضة. فخير تعريف للديمقراطية هو: ظلم الأقلية !

# أخذ بعض الفقهاء العرف مصدرا للفتوى إن لم يوجد نص أو اجتهاد في المسألة, لكن بعد التشويه الذي حدث لفطرة الناس وميولهم على مر السنين يصعب علينا الثقة في العرف الاجتماعي كميزان للتصرفات. وبالتالي يجب على العاقل ألا يخشى أن يصير شاذا في جماعته طالما هو على الحق, وعليه أيضا ألا يرضخ للسير مع القطيع وهو يعلم أن نهاية الطريق هلاك محقق.

# هناك حالة اجتماعية مَرَضية نعاني منها تسمى (ضغط الجماعة) وهي حاجة الفرد لأن يصبح - ولو ظاهريا – متناسقا مع من حوله وما حوله من ظروف وتغيرات خوفا من الاتهام بالعزلة والاختلاف, ومثال ذلك أصدقاء السوء وتأثيرهم السلبي على الفرد. إن الجماعة من حولك تمارس ضغطا لا إراديا عليك لتصبح جزءا منها وإلا نبذتك لعدم إمكانية إدماجك في القطيع. والحل هو العيش في وسط آخر يلائمك مع أناس آخرين – ولو في مقابل تضحيات مادية ومعنوية – حيث لا تشعر بضرورة التكلف والتظاهر بما ليس فيك طوال الوقت. لكن تنبه إلى أن المهم هو ألا يكون الاختلاف لمجرد حب الاختلاف أو لإثبات الذات بل نتيجة طبيعية لإيحاء داخلي (عقلي وقلبي) وروية في اتخاذ القرار بلا تهور قد يتبعه ندم.

لا يوجد تعليقات

أضف تعليق

أرشيف المدونة الإلكترونية

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المساهمون

مدونه اف اح