أودين والرموز الباطنية في الديانة النورسية

0
عقائد الفايكنج والقبائل الشمالية الاسكندنافية والأيسلندية ظلت مسيطرة على شمال أوروبا لفترة طويلة حتى بعد انتشار المسيحية هناك.. ولم تضعف إلا بعد حوالي ألف سنة بعد الميلاد.
كانت الحرب الفكرية العقدية بين كهنة المسيحية وكهنة الديانة الوثنية الشمالية النورسية حربا باردة، وفي النهاية قبلت المسيحية أن تقوم بإدخال الكثير من الطقوس والعادات والاحتفالات التي أراد الوثنيون الإبقاء عليها كشرط لقبولهم المسيحية!
فنجد مثلا الصليب الدائري "الشمسي - السلتي"، وسانتا كلوز واحتفالات الكريسماس وغيرها من المفاهيم التي أخذها المسيحيون مباشرة من الوثنيين كنوع من "الحل الوسط" لتيسير دمج هذه القبائل تحت لواء الكنيسة الكاثوليكية. وما قصص القديسين والقديسات المنتشرة في أوروبا إلا بقايا للأساطير الوثنية القديمة والحكايات الخرافية التي كانت شعوب أوروبا تؤمن بها قبل دخول المسيحية.

وكان التأثير متبادلا بين المسيحية والديانة الشمالية، فنجد مثلا تشابها كبيرا بين أسطورة الإله أودين الذي عبده الشماليون وبين قصة صلب يسوع.
ففي الأناجيل تقول القصة أن المسيح كان تجسيدا للإله، وأنه ضحى بنفسه ورضي أن يموت مصلوبا على خشبة، وأن الجنود الرومان ضربوه بحربة في جنبه، ورفضوا أنه يعطوه ماء ليشرب، وأنه مات ثم عاد للحياة منتصرا على الموت بعد أن هبط - خلال فترة موته - للجحيم وقام بتخليص الأرواح الملعونة القابعة فيه، إلى آخر الأسطورة المعروفة.
أما في ديانة الشماليين فهناك أسطورة عن كبير الآلهة عندهم، أودين Odin ، الذي ضحى بنفسه كقربان لنفسه (!!) عن طريق ضرب نفسه بحربة في جنبه وهو معلق من قدمه مقلوبا على شجرة العالم العظيمة، وظل 9 أيام على هذه الحالة بين الحياة والموت كي ينال في النهاية "الحكمة السرية" التي تنبع من جذر الشجرة العملاقة.. وليتعلم الحروف والتعاويذ السحرية التي تعطيه قدرات عظيمة.

هذه الأسطورة تم تدوينها بعد ظهور المسيحية بمئات السنين، وهي ترمز لرحلة الراغب في الحصول على المعرفة "الباطنية" وكيف أن عليه تقديم تضحيات كبيرة كي يصل لمبتغاه.

قصة تعليق أودين من قدمه على فروع الشجرة هي مصدر إحدى أوراق التاروت (أوراق اللعب - الكوتشينة) المسماة الرجل المشنوق/المعلق Hanged Man والتي ظهرت في القرن الـ15 الميلادي مع ازدهار الحركات الباطنية الخيميائية في أوروبا.
للباطنيين تفسيرات وتأويلات لرسوم أوراق التاروت، وتفسيرهم لورقة الرجل المعلق هي أنها رمز للتضحية في سبيل الحصول على أسرار المعرفة الباطنية. فالرجل يبدو هادئا مستكينا وسعيدا على الرغم من أن الوضع الذي هو فيه (معلقا على شجرة، من قدم واحدة، مقلوبا) كان وضعا يستخدم لمعاقبة المجرمين وإذلالهم في مكان عام.
فكأن الرمزية هنا هي أن الراغب في الانخراط في الباطنية عليه قبول الإهانات والمصاعب التي سيواجهها في رحلة البحث عن المعرفة.
=====

الأسطورة الشمالية تقول أن العالم هو عبارة عن تسع عوالم تقبع بين أغصان شجرة كونية عملاقة اسمها Yggdrasil ، وأن أودين كان يعيش في القمة مع الآلهة أبنائه لكنه أراد البحث عن المعرفة السحرية التي تنبع من جذر الشجرة وأصلها. فعلق نفسه بأحد الأغصان بحيث تكون رأسه للأسفل، وضرب جنبه بحربه، وأخذ ينظر بقوة ويدقق في القاع المظلم إلى أن تكشفت أمامه الأسرار بعد 9 أيام فصرخ صرخة فرح عظيمة وعرف الحروف "الرونية" Runes ، أي رموز كتابة التعاويذ السحرية والأشعار والحكمة.
وتقول أسطورة أخرى أن أودين كان أعور، لأنه قدم إحدى عينيه قربانا ووضعها في بئر الحكمة مقابل أن يشرب منه شربة*.

اسم الشجرة يعني "مشنقة أودين" Odin's gallows ، أي الخشبة التي كان يتم تعليق المشنوق عليها، كما في لعبة Hangman الشهيرة التي يلعبها الأطفال لتمضية الوقت والوصول للكلمة السرية عن طريق استنتاج حروفها واحدا بعد الآخر.
=====

أساطير الشماليين لها تأثير كبير على المخيلة الأدبية للغربيين إلى اليوم، فمنها اقتبس تولكين بعض أفكار ملحمته الشهيرة "سيد الخواتم" و"السيلماريليون"، وصار "ثور بن أودين" شخصية شهيرة بالقصص المصورة (الكوميكس)

ثور Thor في الديانة الشمالية كان ابن أودين، وكان إله البرق ويحمل مطرقة كبيرة صنعها له الأقزام المهرة في فنون الحدادة.
اسم ثور هو مصدر اسم أحد أيام الأسبوع عند الغربيين، Thursday الخميس (وجعله الشماليون مساويا للمعبود الروماني جوبيتر)
واسم أودين هو مصدر اسم يوم Wednesday (الأربعاء) ، وجعله الشماليون مساويا للمعبود الروماني عطارد Mercury


وتأثرت المسيحية أيضا بالرموز الوثنية النورسية، فأخذت صليب أودين الدائري وجعلته مشتقا من صليب يسوع.
رمز أودين كان عبارة عن عجلة Wheel (دائرة داخلها خطان متقاطعان) ، وهذا الرمز يسمى الآن الصليب الدائري، صليب الشمس Sun Cross أو الصليب السلتي (ومنتشر في أيرلندا)
=====

أسطورة أودين والشجرة مأخوذة من مقطوعة شعرية قديمة اسمها Havamal:
كنت معلقا بشجرة تعصفها الرياح لتسع ليال طوال
مطعونا بالحربة، قربانا لأودين
أنا قربان نفسي لنفسي
على تلك الشجرة التي لا يعرف بشر أين تبدأ جذورها.
لم يعطني أحد ماء ولا طعاما
نظرت بتعمق في الأعماق
وبصرخة فرح أخذت الحروف الرونية.


-----
*وهذا يشبه أسطورة تقديم حورس إحدى عينيه (القمر) هدية لأبيه أوزيريس ليصير أوزيريس حاكما للعالم السفلي كما أن حورس(متمثلا في الفرعون) هو الحاكم للعالم الأرضي.

لا يوجد تعليقات

أضف تعليق

أرشيف المدونة الإلكترونية

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المساهمون

مدونه اف اح